فصل: مسألة صلى بقوم فنام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قرأ سورة طويلة ونواها في نفسه ثم كسل فترك القراءة وركع وسجد:

وسئل عمن قرأ في صلاته سورة طويلة ونواها في نفسه، فأدركه كسل وملالة، فترك القراءة وركع وسجد؛ أتجزئه صلاته؟ قال ابن القاسم: ليس عليه شيء.
قال محمد بن رشد: لم يوجب عليه إتمام السورة التي ابتدأها ونوى قراءتها؛ إذ لم يوجب ذلك على نفسه بالنذر؛ وهو على أصله فيمن افتتح الصلاة النافلة- قائما على أن يتمها قائما، أن له أن يتمها جالسا مع القدرة على القيام، خلاف ما ذهب إليه أشهب من أنه يلزمه أن يتمها- قائما، كما افتتحها قائما؛ وقول ابن القاسم أظهر: إنه إنما يلزمه إتمامها لا أكثر، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة صلى ركعتين وجلس يتشهد فعرض له شك فيما مضى من صلاته:

وسئل ابن القاسم عمن صلى ركعتين وجلس يتشهد فعرض له شك فيما مضى من صلاته فجعل يتذكر ساعة بعد التشهد، ثم ذكر أنه قد أصاب الصلاة، ولم ينقص ولم يزد؛ هل يكون عليه أن يسجد لسهوه؛ لأنه قعد بعد التشهد ساعة يتذكر؟ ومتى يكون سجوده قبل السلام أو بعده؟ قال ابن القاسم: ليس عليه شيء- وإن طال الجلوس، ولا يسجد لسهوه. وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم ركعة فلما سجد لها، شك في سجوده حين سجد واحدة، فوقف يتذكر وينظر إن كان سجد لركعته سجدتين أم واحدة، فطال فكره، ثم سبح به القوم، فذكر أنه لم يسجد إلا واحدة، فسجد الثانية ومضى في صلاته حتى فرغ، هل عليه سجود السهو؟ ومتى يسجد قبل السلام أو بعده؟ وكيف به إن شك- وهو راكع فيما مضى له من صلاته- فلم يدر أمضى له ركعة أو ركعتان؟ فثبت راكعا يتذكر حتى طال ذلك، ثم ذكر بعد ساعة أنه لم يمض إلا ركعة؛ هل يكون عليه في مثل هذا سجود للذي عرض له- إذا وقف لشك عرض له في صلاته وهو قائم أو ساجد؟ أو عرض له بعدما ركع، فوقف يتذكر قبل أن يخر ساجدا؟ أو نحو هذا من الشك؟ ومتى يكون سجوده؟ قال ابن القاسم: الذي يُعلم من قول مالك، أنه لا يكون عليه شيء، كان ذلك منه ساجدا أو راكعا أو قائما أو قاعدا، في التشهد هذا كله سواء؛ لأنه لم يعمل عملا يكون زيادة ولا نقصانا.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، وما فيها من الاختلاف وتوجيهه في أول رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم، فأغنى ذلك عن إعادته- وبالله التوفيق.

.مسألة مؤذن مسجد أذن قبل زوال الشمس:

وسئل ابن القاسم عن مؤذن مسجد أذن قبل زوال الشمس، أو قبل وقت العصر أو قبل غروب الشمس، أو قبل غيوب الشفق، ثم علم بذلك قبل أن تُقام الصلاة؛ هل عليه أن يعيد الأذان ثم يقيم؟ وكيف بهم إن صلوا بلا أذان ولا إقامة؟ قال ابن القاسم: يعيد الأذان إن علم قبل الصلاة، فإن صلى لم يعد.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه لا يؤذن لصلاة من الصلوات قبل وقتها، إلا الصبح فإنه ينادى لها قبل: وقتها عند مالك، وأكثر أهل العلم؛ قيل في السدس الآخر من الليل، وقيل: في النصف الثاني منه- إذا خرج وقت العشاء الآخر؛ لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»- الحديث. فإذا نودي لما عدا الصبح قبل الوقت، وجب أن يعاد الأذان ما لم يصل؛ لوجهين، أحدهما: أن الأذان الأول لم يجز، والثاني أن يعلم أهل الدور أن الأذان الأول كان قبل الوقت، فيعيد الصلاة من كان صلى منهم؛ فقد روي أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام، فرجع فنادى، ألا إن العبد نام، ليعلموا أنهم في ليل بعد، حتى يقوم من شاء القيام، ولا يمسك عما يمسك عنه الصوام، ولا يلزم أن يعاد الأذان بعد الصلاة لهذه العلة، مخافة أن يقبل الناس إلى الصلاة- وقد صليت فيعنوا لغير فائدة.

.مسألة المؤذن يرعف حتى يكثر ذلك عليه وهو يؤذن:

وسئل ابن القاسم عن المؤذن يرعف حتى يكثر ذلك عليه وهو يؤذن، هل يقطع أذانه ويذهب فيغسل الدم ويرجع فيبني على ما مضى من أذانه أم يستأنف الأذان؟ وهل يجوز لأهل المسجد أن يقدموا رجلا غيره؟ وهل على المقدم أن يبتدئ الأذان من أوله؟ أم يبني على الأذان الأول؟ وهل للمؤذن أن يؤذن- وهو جنب؟ قال ابن القاسم: إن مضى على أذانه في رعافه ذلك حتى فرغ، أجزأه، ولا يجوز له أن يقطع أذانه، فإن قطع أذانه فغسل الدم عنه، ثم رجع، استأنف الأذان، ولا يشبه هذا الذي يرعف في الصلاة، فيبني إذا غسل الدم، قال: ويجوز لأهل المسجد أن يقدموا رجلا- إذا قطع المؤذن الأذان ليغسل رعافه ويبتدئ المقدم الأذان، قال: ولا بأس أن يؤذن- وهو على غير وضوء، ولا يؤذن وهو جنب.
قال محمد بن رشد: الفرق بين الأذان والصلاة في أن الراعف في الأذان يتمادى على أذانه أو يقطع ولا يبني، أن الأذان لما لم يكن من شرط صحته الطهارة من النجاسة، جاز للراعف أن يتمادى عليه مع رعافه، بخلاف الصلاة؛ ولما لم يجب على من ابتدأه أن يتمه، وكان له أن يقطعه بخلاف الصلاة التي يجب على من أحرم بها أن لا يقطعها؛ وجب إذا لم يقدر على التمادي على أذانه مع رعافه أن يقطع، بخلاف الصلاة؛ ولما كان من شرط صحته أن يكون متواليا وألا يفرق، لم يجز لمن أذن بعض أذانه أن يستخلف على بقيته؛ لأن ذلك أشد من تفرقته؛ ووجب إذا قطع المؤذن الأذان من أجل رعافه، أن يستأنف رجل آخر الأذان من أوله، ولا يبني على أذان الراعف؛ وأن يستأنف هو الأذان من أوله- إذا غسل الدم عنه، ولا يبني على ما مضى من أذانه، وتفرقته في الأذان بين أن يكون المؤذن جنبا، أو على غير وضوء، استحسان على غير قياس؛ والذي يوجبه القياس ألا فرق بينهما، فيجوز جنبا وعلى غير وضوء، أو لا يجوز لا جنبا ولا على غير وضوء؛ فوجه الجواز فيهما- وهو قول سحنون، ورواية أبي الفرج عن مالك؛ إذا كانت المئذنة في غير المسجد للجنب، هو أن الأذان ذكر لله تعالى، وذكر الله عز وجل يجوز للجنب، كما يجوز للذي هو على غير وضوء. ووجه المنع فيهما- وهو مذهب الشافعي- ما روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يؤذن إلا متوضئ»،- رواه أبو هريرة عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ وقال به. والجنب بذلك أحرى، والاختيار عند مالك ألا يؤذن الرجل جنبا ولا على غير وضوء، وما روي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إن صح- فمعناه أن ذلك كان في أول الإسلام حين كان ذكر الله ممنوعا إلا على طهارة، ثم نسخ والله أعلم، وإن كان أبو هريرة راوي الحديث متأخر الإسلام، فالمعنى فيه أنه لم يسمعه من النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بعد إسلامه، وإنما أخذه عمن تقدم إسلامه من أصحابه.

.مسألة المؤذن يقيم الصلاة فيرعف:

وسئل ابن القاسم عن المؤذن يقيم الصلاة فيرعف أو يدخل عليه ما يقطع وضوءه، أيقطع الإقامة أو يتمها؟ وكيف به إن خرج وقطعها؟ هل يستأنف القوم رجلا غيره يقيم لهم الصلاة يبتدئها من أولها، أو يقيم من حيث انتهت إقامة الأول؟ قال ابن القاسم: أرى أن يقطع الإقامة ولا يمضي فيها، ويستأنف رجل آخر بهم الإقامة؛ لأن مالكا قال: لا بأس أن يصلى بإقامة من لم يؤذن.
قال محمد بن رشد: قال فيمن رعف في الإقامة أنه يقطع، بخلاف الأذان؛ والفرق بينهما- مع أنه يؤذن على غير وضوء، ولا يقيم إلا على وضوء- أن الإقامة متصلة بالصلاة، فلو تمادى عليها، لترك الصلاة لغسل الدم، فكان تركه الإقامة لذلك أولى من تركه الصلاة له؛ والأذان بائن عن الصلاة، فهو يقدر أن يتمادى على أذانه، ثم يخرج لغسل الدم، ويرجع إلى الصلاة، وأما قوله: إنه يستأنف رجل آخر بهم الإقامة فصحيح؛ لأنه إذا لم يجز في الأذان أن يبني الثاني على ما مضى من أذان الأول، للعلة التي ذكرناها قبل هذا، فالإقامة أحرى ألا يجوز ذلك فيها؛ وأما الصلاة بإقامة من لم يؤذن، فقد تعارضت الآثار في ذلك، فروي عن عبد الله بن الحارث الصدائي أنه قال: «أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما كان أوان الصبح، أمرني فأذنت، ثم قام إلى الصلاة، فجاء بلال ليقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم». وروي أن عبد الله بن زيد حين أري الأذان، «أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالا فأذن، ثم أمر عبد الله فأقام»؛ فأخذ مالك رَحِمَهُ اللَّهُ بالذي يوجبه النظر من ذلك؛ لما تعارضت فيه الآثار، وذلك أن الأذان والإقامة من أسباب الصلاة، فلما جاز أن يقيم الصلاة غير الإمام، جاز أن يقيمها غير الذي أذن؛ إذ هي إلى الصلاة أقرب منها إلى الأذان، وثبت أنهما شيئان يجوز أن يفعل أحدهما غير الذي فعل الآخر، بخلاف الأذان، فإنه لا يجوز لرجلين أن يفعل كل واحد منهما بعضه.

.مسألة مسجد بين قوم تنازعوا فيه واقتسموه بينهم أيجزئ أن يكون مؤذنهم واحدا:

وسئل ابن القاسم عن مسجد بين قوم، فتنازعوا فيه واقتسموه بينهم، وضربوا وسطه حائطا، أيجزئ أن يكون مؤذنهم واحدا؟ وإمامهم واحدا؟ قال ابن القاسم: ليس لهم أن يقتسموه؛ لأنه شيء سبلوه لله- وإن كانوا بنوه جميعا، وقال أشهب مثله؛ ولا يجزئهم مؤذن واحدا، ولا إمام واحد.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه ليس لهم أن يقتسموه؛ لأن ملكهم قد ارتفع عنه حين سبلوه؛ فإن فعلوا، فله حكم المسجدين في الأذان؛ والإمام حين فصلوا بينهما بحاجز، يبين به كل واحد منهما عن صاحبه، وإن كان ذلك لا يجوز لهم- وبالله التوفيق.

.مسألة إمام صلى على شَرَف وأصحابه تحته في وطاء:

وسئل ابن القاسم عن إمام صلى على شَرَف وأصحابه تحته في وطاء، أو يصلي على كدية وهم خلفه على الأرض؟ أو يصلي في الأرض وأصحابه على مصطبة؟ أو يصلي على مصطبة- وهم تحته على الأرض؟ قال ابن القاسم: إذا تقارب ذلك فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه ساوى بين أن يكون الإمام أرفع موضعا ممن خلفه، أو من خلفه أرفع موضعا منه، وذلك خلاف ما في المدونة؟ وقد مضت هذه المسألة موعبة بتحصيل ما فيها من الاختلاف، وتوجيهه في رسم الصلاة الثاني- من سماع أشهب.

.مسألة إمام صلى بمن معه ركعة فأصابه نضح بول:

وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بمن معه ركعة فأصابه نضح بول، أو نجس قطر عليه؛ هل يقطع ذلك صلاته وصلاة من خلفه؟ أم لا يقطع صلاته، إلا أن يكون شيئا كثيرا؟ قال ابن القاسم: إذا أصابه قطر من نجس، فإنه يستخلف، بمنزلة ما لو أحدث، ولا يقطع ذلك صلاته، وإن نزع ثوبه ذلك إن كان عليه غيره، أجزأه وأحب إلي أن يستخلف بمنزلة ما لو أحدث.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يستخلف ولا يقطع ذلك صلاته، ليس بصحيح، والصواب: لا يقطع ذلك صلاتهم، وأما هو فتنتقض صلاته بمنزلة ما لو أحدث كما قال، ولو لم يقطع ذلك صلاته لتمادى- ولم يستخلف، وإنما يستخلف ولا يقطع صلاته التي يمرض فيها مرضا لا يقدر معه على القيام فيستخلف؛ إذ لا تجوز إمامة الجالس، ويتم هو وراء المستخلف- جالسا؛
والذي قطر عليه نجس في الصلاة، لا يخلو من ثلاثة أحوال، أحدها: لا يكون عليه ولا معه ثوب سواه، تجزئه به الصلاة، والثاني: ألا يكون عليه ثوب سواه، ويكون معه ثوب سواه؛ والثالث: أن يكون عليه ثوب سواه، تجزئه الصلاة به، فإذا لم يكن عليه ولا معه ثوب سواه، فإنه يتمادى على صلاته، ويعيد في الوقت إن وجد ثوبا غيره، أو ماء يغسله به؛ وإذا لم يكن عليه ثوب غيره- وكان معه ثوب غيره، فإنه يخرج ويستخلف، وإن كان وحده قطع، وابتدأ صلاته بالثوب الطاهر الذي معه، وأما إن كان عليه ثوب سواه، تجزيه به الصلاة، فالقياس أن يخرج ويستخلف، وإن كان وحده قطع؛ لأنه قد حصل حامل نجاسة. وقال في الرواية: إن ذلك أحب إليه، وإن نزعه أجزأه؛ وإنما قال ذلك- والله أعلم- لحديث ابن مسعود في طرح عقبة بن أبي معيط على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة وهو يصلي- سلا الجزور، وغسل فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذلك عنه، وتماديه على صلاته؛ وقد روي أنه إنما طرح عليه الفرث بدمه، وآيا ما كان، فلا حجة فيه؛ لأن ذلك كان في أول الإسلام، حيث كانت ذبائح المشركين حلالا؛ والسلا: وعاء الولد، فهو كلحم الناقة المذكاة، وكذلك الفرث طاهر؛ لأن أرواث ما يؤكل لحمه طاهر؛ ولعل الذي كان فيه من الدم يسير.
وأما من علم أن في ثوبه نجاسة- وهو يصلي، فإنه يقطع في المشهور في المذهب؛ وقد قيل إنه ينزعه ويتمادى على صلاته، وقد مضى ذلك في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى، فقف على ذلك.

.مسألة صلى بقوم فنام:

وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فنام في صلاته، فلم يستيقظ حتى احتلم في نومه؛ هل يُفسد ذلك صلاة من خلفه؟ وكيف ينبغي له أن يصنع فيما أصابه في صلاتهم؟ أيقدم رجلا يُتِم بهم بقية صلاتهم؟ قال ابن القاسم: لا تفسد صلاتهم، ويقدم رجلا يصلي بهم بقية صلاتهم، بمنزلة ما لو أحدث في صلاته، ولا تفسد صلاة القوم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الاحتلام حدث غلب عليه بالنوم، فكان كالحدث الذي يغلبه سواء.

.مسألة مؤذن مسجد يؤذن فيه ويصلي بمن جاءه من بعداء الناس:

وسئل ابن القاسم عن مؤذن مسجد يؤذن فيه ويصلي بمن جاءه من بعداء الناس، فأذن وأقام الصلاة، ولم يأته أحد حتى صلى ركعة، ثم جاء نفر فدخلوا معه في بقية الصلاة، فأحدث قبل أن يركع الثانية، فقدم رجلا من النفر الذين سبقهم بركعة، فصلى بهم بقية صلاة الإمام الذي قدمه؛ كيف يصنع: أيشير إليهم أن امكثوا ويتنحى عن المحراب، فيقوم فيقضي ركعته التي سبقه بها الإمام، ثم يسلم كما كان يصنع الإمام لو لم يحدث؟ أو يقوموا- إذا أقام فيقضوا- أفذاذا- ولا يسلم؟ وكيف الأمر إن كان سها الإمام سهوا قبل أن يدخلوا عليه سهوا يكون سجوده قبل السلام؟ قال: قال مالك يتم بقية صلاة الإمام، ثم يشير إليهم أن امكثوا، ثم يقوم- وهو في مكانه ذلك لا يتحول، فيقضي تلك الركعة، ثم يجلس فيتشهد ويسلم، ويقوموا فيقضوا تلك الركعة؛ وإن دخلوا معه في الثانية فأحدث قبل أن يركع فقدم رجلا منهم، أجزأ عنهم أن يصلي بهم، وعليه أن يقضي ما كان على الإمام من سهو قبل أن يدخلوا معه؛ فإن كان سجودا يكون قبل السلام، فإذا قضى الركعة، سجد بهم وسجدوا معه؛ وإن كان بعد السلام، فإذا قضى الركعة وسلم، سجدهما ولا يسجد معه الآخرون حتى يقضوا الركعة؛ فإذا قضوا الركعة سجدوهما.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة؛ لأن الإمام إذا استخلف بعد أن صلى ركعة مَن فاتته تلك الركعة معه، فإنما استخلفه على ما بقي من صلاته، فإذا صلى بالقوم بقية صلاة الإمام الذي استخلفه؛ قام فقضى الركعة التي فاتته من صلاة الإمام- وهم جلوس، فإذا سلم، قاموا فقضوا لأنفسهم ما فاتهم؛ لأن من فاته شيء من صلاة الإمام، لا يقضي إلا بعد سلامه، وقد حصل المستخلف مكانه، فلا يقضون إلا بعد سلامه أيضا. وقوله: وإن دخلوا معه في الثانية فأحدث قبل أن يركع، فقدم رجلا منهم أجزأ عنهم أن يصلي بهم؛ تكرير في المسألة لا معنى له، ولا فائدة فيه. وقوله: وعليه أن يقضي ما كان على الإمام من سهو قبل أن يدخلوا معه صحيح؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة؛» لأن المعنى في ذلك، أنه أدرك حكمها، ووجب عليه ما وجب على الإمام فيها من سهو أو إتمام- إن كان مسافرا والإمام مقيم، أو قصر إن كانت جمعة. وأما قوله: فإن كان سجودا يكون قبل السلام، فإذا قضى الركعة سجد بهم، فهو خلاف ما في سماع أصبغ بعد هذا أنه يسجد بهم- إذا انقضت صلاة الإمام الذي استخلفه قبل أن يقوم لتمام ما بقي عليه، ولكلا القولين وجه من النظر.

.مسألة مسافر صلى بمسافرين ركعة واحدة فجاءه مقيم فصلى خلفه:

وسئل ابن القاسم عن مسافر صلى بمسافرين ركعة واحدة فجاءه مقيم فصلى خلفه- وهو يعلم بسفره، فصلى معه ركعة، ثم جاء مقيم آخر فصلى الركعة الثانية، فأحدث الإمام المسافر في التشهد، فقدم أحد الرجلين الذي سبقه بركعة؛ كيف يصنع في صلاته؟ قال ابن القاسم: يتم هذا المستخلف بقية صلاة الإمام المسافر، ثم يشير إليهم فيمكثوا، ثم يقوم فيقضي الركعة التي سبقه بها الإمام المسافر، والركعتين الآخرتين؟ لأنه مقيم، ثم يسلم المسافرون ويقوم المقيمون فيتمون.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في أكثر الكتب، وسئل ابن القاسم عن مسافر صلى بمسافرين ركعة واحدة، وفي بعض الكتب: وسئل ابن القاسم عن مسافر صلى وحده، فجاءه مقيم؛ وليس شيء من ذلك بصواب، والصواب: وسئل عن مسافر صلى بمسافرين فجاءه مقيم؟ وعلى هذا تستقيم المسألة. وقوله فيها: ثم يقوم فيقضي الركعة التي سبقه بها الإمام المسافر، والركعتين الآخرتين؛ لأنه مقيم، هو على قياس قوله في المسألة التي تقدمت قبل هذه، ولم يبين صفة العمل في ذلك؛ والذي يأتي على مذهبه: أن يبدأ بالبناء قبل القضاء؛ لأن الركعة التي فاتته من صلاة الإمام الذي استخلفه قضاء، والركعتين الآخرتين بناء، فيقوم أولا فيأتي بالثالثة فيقرأ فيها بالحمد وحدها ويجلس؛ لأنها ثانية بنائه؛ ثم يأتي بالرابعة فيقرأ فيها أيضا بالحمد وحدها ويقوم؛ لأنها ثالثة بنائه- قاله ابن حبيب. وقال ابن المواز: بل يجلس فيها؛ لأنه لا يقام إلى القضاء إلا من جلوس، فتأتي صلاته على مذهبه- جلوسا كلها، ثم يأتي بالركعة الأولى التي فاتته فيقضيها بالحمد وسورة- كما فاتته، وعلى مذهب سحنون يبدأ بالقضاء قبل البناء، فقف على ذلك وتدبره.

.مسألة أقام الصلاة وصلى ركعة مع رجل واحد ثم جاء رجل فصلى به ركعة:

وسئل ابن القاسم عن إمام مسجد أقام الصلاة وصلى ركعة مع رجل واحد، ثم جاء رجل آخر فصلى به ركعة مع الأول، ثم جاء ثالث فصلى به الثالثة؟ ثم قام في الرابعة فدخل معه فيها رجل رابع، فأحدث الإمام فيها فقدم الرابع- وهو آخرهم؛ كيف يصنع ويصنعون في صلاتهم؟ قال: قال مالك يتم هذا المستخلف بقية صلاة الإمام، ثم يقوم فيقضي ما عليه- وهم قعود، ثم يسلم ويسلم من أتم الصلاة، ويقوم من فاته بعض الصلاة فيتم ما بقي عليه.
قال محمد بن رشد: قوله فيتم ما بقي عليه- يريد فيقضي ما بقي عليه، وهي مسألة صحيحة بينة في المعنى على قياس ما تقدم في المسألتين اللتين قبلها، فلا معنى لإعادة القول فيها.

.مسألة أحدث فقدم رجلا قد دخل في الصلاة قبل حدث الإمام:

وسئل ابن القاسم عن إمام أحدث فقدم رجلا قد دخل في الصلاة قبل حدث الإمام- وهو جاهل بما مضى للقوم وللإمام، كيف يصنع المقدَم؟ أيمضي على صلاة نفسه، ويصلي لنفسه حتى يسبح به القوم- إن خالف صلاتهم، ويشيروا إليه بما بقي من صلاة إمامهم؟ أم يسعه أن يشير إليهم ويشيروا إليه- إن لم يفهم بالتسبيح؟ وهل يسعه إن لم يفطن بالإشارة ويفهم بها أن يكلم ويكلموه، ولا يقطع ذلك صلاته؟
قال ابن القاسم: يشير إليهم حتى يفهم ما ذهب من الصلاة، فإن لم يفهم بالإشارة ومضى حتى يسبح به فلا بأس، وإن لم يجد بدا إلا أن يتكلم فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على المعلوم من مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها: أن الكلام فيما تدعو إليه الضرورة من إصلاح الصلاة جائز، لا يُبطل الصلاة على حديث ذي اليدين، خلاف ما ذهب إليه ابن كنانة، وسحنون، وجماعة من أهل العلم سواهما.

.مسألة أحدث فقدم رجلا أميا لا يحسن القراءة:

وسئل عن رجل أحدث فقدم رجلا أميا لا يحسن القراءة، كيف يصنع أيتأخر ويقدم غيره؟ أم يمضي بالقوم في صلاة الذي استخلفه: يسبح، ويهلل، ويحمد الله، ويكبر؟ وكيف إن كان صلى بهم بغير قراءة حتى فرغ، هل تكون عليهم إعادة الصلاة؟ قال ابن القاسم: يتأخر ويقدم غيره ممن يحسن القراءة، فيصلي بهم؛ وإن لم يفعل ولم يقدم غيره، أعادوا الصلاة.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إن كان في القوم من لا يحسن القرآن فلا يصلح له أن يصلي بهم، ويلزمه أن يخرج ويقدم غيره ممن يحسن القراءة؛ فإن لم يفعل وصلى بهم، أعادوا أبدا، وأعاد هو أيضا؛ لأنه كان يقدر أن يصلي خلف من يحسن القرآن- وهو قول سحنون، وابن المواز. وقال أشهب في مدونته: لا إعادة عليه هو، قال: ولا أحب له أن يصلي فذا- وهو يجد من يأتم به ممن يحسن القرآن؛ وعلى قول سحنون وابن المواز لا يجوز له أن يصلي فذا وهو يجد من يأتم به، فإن لم يفعل أعاد؛ وأما إن لم يكن في القوم من يحسن القرآن فإنه يتمادى بهم وتجزئهم صلاتهم.
قال محمد بن سحنون: وفرضه أن يذكر الله في موضع القراءة. وقال أبو محمد عبد الوهاب: ليس يلزمه على طريق الوجوب تسبيح، ولا تحميد، ويستحب له أن يقف وقوفا ما، فإن لم يفعل وركع أجزأه. وقال محمد بن مسلمة يستحب له أن يقف قدر قراءة أم القرآن وسورة، وقد قيل: لا يلزمه الوقوف؛ لأن الوقوف إنما هو للقراءة، فإذا سقط عنه فرض القراءة، لم يلزمه الوقوف لغير فائدة- يريد قائل هذا القول أنه لا يلزمه أن يقف قدر ما كان يلزمه من القراءة، ولابد أن يلزمه من الوقوف في أول ركعة قدر ما يوقع فيه تكبيرة الإحرام، وفيما سواها أقل ما يقع عليه اسم قيام- والله أعلم.
ومن قال: إنه يلزمه ذكر الله وتسبيحه، وتهليله، مكان القراءة، ذهب إلى ما روي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للأعرابي لما أمره بإعادة الصلاة: «إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله». وحجة من قال: إن ذلك لا يلزمه، أن هذه الزيادة لم يخرجها أصحاب الصحيح، وقد سقط عنه فرض القراءة لعجزه عنها، فلا يلزم بدلا منها إلا بيقين، ويلزمه ألا يفرط في التعليم، فإن فرط فيه لزمه أن يعيد من الصلوات ما صلى- فذا بعد القدر الذي كان يتعلم فيه، وقد مضى في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب- تمام القول في هذه المسألة.

.مسألة صلى برجل وامرأتين فأحدث الإمام:

قال ابن القاسم في إمام صلى برجل وامرأتين فأحدث الإمام، فخرج ولم يقدم صاحبه، ونوى صاحبه أن يؤم نفسه والمرأتين، حتى صلى بقية الصلاة؛ هل تكون صلاتهم مجزئة ولا تفسد عليهم؟ قال ابن القاسم: نعم لا بأس به، وتجزئهم صلاتهم- وإن لم يستخلفه إذا نوى أن يكون إمامهم.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في هذا السماع من اشتراطه في صحة صلاتهم- أن ينوي أن يكون إمامهم، وقد مضى القول في ذلك، فلا معنى لإعادته- وبالله التوفيق.

.مسألة الإمام إذا أحدث راكعا أو ساجدا أو قاعدا:

وسئل ابن القاسم عن الإمام إذا أحدث- راكعا، أو ساجدا، أو قاعدا، فتأخر، كيف ينبغي له أن يتأخر وهو ساجد أو راكع؟ وكيف يتقدم المستخلف؟ قال ابن القاسم: إن كان قاعدا تقدم قاعدا، وإن كان قائما تقدم قائما.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها، وقد مضت فيها في رسم باع شاة من سماع عيسى- زيادة بيان لها.

.مسألة قام يصلي ما بقي من صلاته وهو أمي لا يحسن أن يقرأ كيف يقضي صلاته:

وسئل ابن القاسم عمن أدرك ركعة من صلاة الإمام، فلما سلم الإمام، قام يصلي ما بقي من صلاته- وهو أمي لا يحسن أن يقرأ- كيف يقضي صلاته؟ قال ابن القاسم: أحب إلي أن يصلي الذي لا يحسن القراءة في جماعة، ولا يصلي وحده- إذا قدر، ولا يدع أن يتعلم ما يقرأ به في صلاته؛ فإن صلى كما ذكرت ولا يحسن فأدرك ركعة، قضى ما بقي كيف تهيأ له، وليس في ذلك قدر معلوم.
قال محمد بن رشد: قد تقدم فوق هذا- الكلام على هذه المسألة، فلا معنى لإعادته- وبالله التوفيق.

.مسألة أدركوا من صلاة الإمام ركعتين فلما سلم قاموا فقدموا رجلا منهم:

وسئل ابن القاسم عن قوم أدركوا من صلاة الإمام ركعتين، فلما سلم قاموا فقدموا رجلا منهم، فأمهم في الركعتين الباقيتين من صلاتهم، هل تجزئهم صلاتهم؟ قال ابن القاسم: أحب إلي أن يعيدوا في الوقت وبعد الوقت. وسئل ابن القاسم عن إمام مسافر صلى بمسافرين ومقيمين، فلما سلم الإمام، قدم المقيمون رجلين منهم إمامين، كل إمام بطائفة منهم، فأتما بهم الصلاة؟ هل تجزئهم صلاتهم، أم تفسد على الطائفتين جميعا صلاتهم؟ قال ابن القاسم: يعيدون في الوقت أحب إلي وبعد الوقت.
قال محمد بن رشد: في كتاب ابن المواز في المسألة الثانية: أنهم يعيدون في الوقت وبعده، لخلاف سنة المسلمين، ولخلافهم سنة عمر، وقاله أصبغ؛ وقد تقدمت هذه المسألة، ووجه الاختلاف فيها في سماع سحنون، وفي رسم لم يدرك، ورسم إن خرجت من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك- وبالله التوفيق.